محرّم وصفر.. وإحياء الدين في المجتمع

آراء حرة
1064
2018-09-29

إحياء الإسلام في عقل الإنسان، وانعكاسه ورعاً على عمله وأدباً على سلوكه، وتحفيز المجتمع لإصلاح واقعه، ثم النهوض به صعوداً في مراتب العدل والسلام والخير والفضيلة، وصولاً إلى التقدم في مناحي الحياة. هذا هو جوهر نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء.

إحياء الإسلام في عقل الإنسان، وانعكاسه ورعاً على عمله وأدباً على سلوكه، وتحفيز المجتمع لإصلاح واقعه، ثم النهوض به صعوداً في مراتب العدل والسلام والخير والفضيلة، وصولاً إلى التقدم في مناحي الحياة. هذا هو جوهر نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء.

فكانت عاشوراء وما زالت وستبقى، قطباً لهداية الإنسان لكل خير وبر، ولكل ما ينفع الناس، فعلى الإنسان ألا يحيد عن الحق قيد أنملة، وألا يظلم أحداً، أي أحدٍ، فقد قال الإمام السبط (عليه السلام): (إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله جل وعز). وقال لولده علي الأكبر: (يا بني، اصبر على الحق، وإن كان مراً).

وكانت عاشوراء وما زالت وستبقى، مدرسة تفيض للأحرار ثباتاً على القيم النبيلة، وتضحية بالغالي والنفيس من أجل الأهداف الكبرى، لاسيما إذا كان الهدف هو صيانة الدين وكرامة الإنسان، وهو المعروف الأعظم، وقد قال الإمام الشهيد (عليه السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أيّها الناس، من كان له على الله أجرٌ فَلْيَقم، فلا يقوم إلا أهلُ المعروف).

وكانت كربلاء ومازالت وستبقى، منبعاً لمكارم الأخلاق، وكلمة طيبة تدعو الإنسان إلى إصلاح نفسه والارتقاء بها ورعاً وفقهاً وعلماً وخلقاً. وقد قال الإمام المظلوم (عليه السلام): (الصدق عِز، والكذب عجز، والسِرُ أمانة، والجِوارُ قَرابة، والمعونة صداقة، والعمل تجربة، والخُلُق الحَسَنُ عبادة، والصمت زَيْن، والشُّحُّ فقر، والسخاء غِنًى، والرِّفقُ لُبٌّ).

وكانت كربلاء ومازالت وستبقى، فخراً للمصلحين، وملاذاً للثوار، وعزماً للأبطال، في عالم يسوده ظلم وطغيان، وينخره خوف من وحوش تقطع الرؤوس، وتسبي النساء، وتنهب البيوت، وتخرب البلدان. فقد قال الإمام الغريب: (فاني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً).

وكانت كربلاء وما زالت وستبقى، قوة دفع هائلة تستنهض المؤمنين ضد الظلم والقهر والفقر، وتوقد همم المصلحين لتستنقذ البشرية من ضلالةٍ قد كبلتها، خاصة اليوم، بأزمات ثقافية وسياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وأخلاقية وصحية ونفسية وبيئية وغيرها، وقد قال الإمام المذبوح: (ومَن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقتِ حاجته، وصرف عنه من بلاءِ الدّنيا ما هو أكثر منه، ومن نَفَّسَ كُربَةَ مُؤمِنٍ فَرّج الله عنه كَرْبَ الدنيا والآخرة، ومن أحسنَ أحسن اللهُ إليه، والله يُحبُّ المحسنين).

إن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في العاشر من المحرّم، واستشهاده ومن معه على أرض كربلاء، حركة لإحياء الإسلام، قبل أيَّ شيءٍ آخَر، بعد أنْ لعبت أهواء بني أمية وعاثت انحرافاً وفساداً وخراباً، وكاد الدين أن يَنْدَرِسَ أثره ويُعفى.

وإن نهضة كربلاء دعوة متجددة إلى عدم الرضوخ لظالمٍ ولا قاتلٍ ولا فاسدٍ، والعمل نحو الأفضل من أجل الذات والمجتمع والأمة بل البشرية جمعاء، يقول الإمام الشيرازي الراحل(قده): (إن ثورة الإمام الحسين لم تكن وقتية لتموت بعد زمان، وإنما كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم، وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، ولذا كان من الضروري امتداد هذه الثورة ما دامت هذه الدنيا باقية، وهذا سر تحريض الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) على الاحتفاء بذكرى عاشوراء طول الدهر(

ويقول المرجع الشيرازي (دام ظله): (قبل كل شيء، يجب أن نعلم لماذا اختار الإمام الحسين وأبناؤه وأصحابه طريق الشهادة، وبهذه الطريقة المفجعة، ولعل زيارة الأربعين تجيب عن تساؤلنا حيث جاء فيها: ليستنفذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، هنا استخدمت كلمة (عبادك)، وهي لا تخص الشيعة وحدهم، بل جميع العباد).

واليوم، مازالت مجتمعاتنا _عموماً_ تحافظ على قيم إسلامية وأخلاقية وإنسانية، لكن بالتأكيد لا تخلو من حالات مرفوضة ومستَهجَنة، وهو ما ينبغي الالتفات إليه، فلا يخفى على أحد وجود فساد في العديد من مفاصل الحياة، فهناك من يغش في بضاعته، ومن يخدع في تجارته، ومن يُوهٍم في مواعظه، ومن يُنافق في مواقفه، ومن يُرائي في عبادته، ومن يكذب في حديثه، وسياسي يخون بلده، وحكومي يسرق شعبه، وموظف يهمل مسؤوليته، وهناك من يحاسب غيره ولا يحاسب نفسه، وقد ورد الحديث الشريف أنه: من أشدّ ما فرض الله (عزّ وجلّ) على العباد إنصاف الناس من أنفسهم.

وهذا المحرّم وذاك صفر، شهرا توبة واستغفار وتطهر، وقبل أيّ شيء، فإنهما شهرا التقوى والعمل الصالح، ذلك لمن أراد النجاح في حياته، ورغب في أن ينجو في الآخرة بنفسه، قال تعالى: (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)(النور:52). وقال سبحانه: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم)(الأعراف:96). وقد أوصى الإمام سيد الشهداء (عليه السلام): (أوصيكم بتقوى الله، فإن الله قد ضمن لمن اتقاه، أن يحوله عما يَكره إلى ما يُحب). وقال (عليه السلام): (فمن تعجَّلَ لأخيه خيراً وجَدَه إذا قَدِم عليه غداً، ومَن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقتِ حاجته).

نقلا عن: موقع الإمام الشيرازي

اشترك معنا على التلجرام لاخر التحديثات
https://t.me/relations113
التعليقات